● ـ التدريس المصغر .
* ـ التدريس المصغر :
مازالت أبواب البحث التربوي عن أنجع السبل لتكوين معلم الغد مفتوحة على مصراعيها، ومازالت الإجراءات التعليمية الكفيلة بتقديم تكوين ناجع ومفيد للطالب المعلم تظهر من حين لآخر .
في كثير من الدول، يتساءل التربويون عن نجاعة نظام تكوين المعلمين وعن الإصلاحات التي يجب مباشرتها. هل تبدأ هذه الإصلاحات من ضرورة إعادة تحديد دور المعلم أو من العلاقة بين التكوين النظري والتكوين التطبيقي لمعلم الغد؟ ومن الأسئلة الهامة المطروحة كذلك على الساحة التربوية :
• كيفية تحديد الكفاءات التي تعمل على تكوين معلم الغد .
• كيفية تحديد أهداف التطور والإبداع بالنسبة لمعلمي ذوي الخبرة الكبيرة .
• كيفية تحويل الخبرات المكتسبة في إطار خاص (المخبر ، العمل المشترك .. ) إلى خبرات ميدانية حقيقية داخل الأقسام التعليمية .
للإجابة عن هذه الأسئلة حاول كل من ألان Allen Dwight وريان Ryan Kevin تقديم نموذج للتكوين يتمثل في التدريس المصغر micro-enseignement :
* ـ التدريس المصغر هو إجراء تعليمي في وسط محدود. يستعمل في تكوين المعلمين والقيام ببعض التجارب البيداغوجية ، يحدد وقت الحصة التعليمية ما بين 5 و 10 دقائق، وعدد التلاميذ بخمس، واقتصار الطالب المعلم على توظيف تقنية واحدة من تقنيات التدريس .
تسجل النتائج على جهاز فيديو، ثم يقوم الطالب المعلم بمراجعته وتحليله ومناقشته مع المكوّن .. بعدها ينقح هذا الدرس المصغر La micro- leçon ويعاد ثانية لتجاوز الأخطاء المرتكبة، وهكذا .
شرطان أساسيان لنجاح هذا النظام من التعليم، هما : رغبة الطالب المعلم في تنمية خبراته وتصحيحها نحو الأفضل، وتحديد النموذج الأنسب والأمثل للتقليد والاقتداء .
يكون الطالب المعلم ـ ضمن مجموعة من الطلبة المعلمين ـ تلميذا ، أو معلما أو مشرفا، لأن الهدف الأول للتدريس المصغر هو السماح لهذا الطالب باختبار قدراته البيداغوجية .. والهدف الثاني هو ملاحظة واختبار طلبة آخرين في هذا الإطار، وبالتالي يكوّن الطالب المعلم نظرة تقدير لإمكاناته وتقييم لإمكانات الآخرين، فتتولد عنده الثقة بالنفس والرغبة في التطور والإبداع .
على الرغم من أنّ عشر دقائق من الوقت غير كافية لتدريس موضوع ما. وتدريس الزملاء من المعلمين ـ رغم علمنا بمعارفهم السابقة ـ ليس بالأمر الهين. والوقوف أمام الكاميرا قد يؤثر على آدائنا .. إلا أنّ التدريس المصغر يعتبر وسيلة للطالب للمحاولة والتحليل والمناقشة ومجابهة الصعاب التي تعترض المعلم في مساره التعليمي. يعمل الفريق كحلقة واحدة مترابطة .. إذا قام أحدهم بأداء دور المعلم يقوم الآخرون باستخدام جهاز الفيديو وأداء دور الملاحظين وكذا التلاميذ . ويركز المتدخلون في فترات النقد والمناقشة على المهارات التي وظفها المعلم الطالب وكانت مميزة لسلوكه أثناء التدريس . لذا على الطالب المعلم أن يقدر المهمة ويعمل وفق هذه الخطوات :
ـ أولا : التخطيط والأداء : ويعتبران من أهم العناصر الحيوية لعملية التدريس، يكون التخطيط من خلال تسطير أهداف بيداغوجية (طويلة الأمد) أو أهداف تعليمية (قصيرة الأمد) يعمل المعلم على تحقيقها .
هذا المخطط يوضح عملية التخطيط والعناصر المكونة له :
1. الأهداف البيداغوجية : مهارات، قيم، مفاهيم ..
2. الأهداف التعليمية .
3. الأسلوب وطريقة التدريس . التفكير المنطقي ـ الإنصات ـ التعبير ..
العمل الجماعي ـ التفاني والإخلاص ـ المواطنة.. العقلانية ـ العلمانية ـ الالتزام ..
التعرف على أقسام الجملة ـ مساحة المربع ـ التمييز بين الاستعارة والكناية ..
إلقائية ـ حوارية ...
أما الأداء فيتم بتحليل وتحويل المادة المدرسة إلى مهارات يتحكم فيها الطالب . نكتشف هذه المهارات من خلال إجابات الطالب الشفوية أو الكتابية التي تنم عن استيعاب جيد للدرس .
ـ ثانيا : الملاحظة : وتعتمد على المشاهدة لتوضيح الرؤية في التدريس، وتقوم على سلسلة متصلة تتدرج من البداية النسبية للملاحظة غير المخططة وغير المنظمة إلى النهاية العالية للملاحظة المخططة والمنظمة .
يجلس الملاحظ (المشرف) في نهاية حجرة الدراسة، ويقوم بتسجيل ملاحظاته. هذا التسجيل عادة ما يستخدم في تحليل السمات اللغوية للتدريس، وسلوك المعلم وحركاته .
ـ ثالثا : المتابعة : يجب على المعلم بعد كل درس مصغر أن يسجل آراءه وانطباعاته عن أدائه، وعن مدى استجابة وتتبع التلاميذ لدرسه، وكذلك تقييم الأهداف المحققة .
كل خلل في تعلم التلميذ، أو فشل في تحقيق الأهداف يكون سببه المعلم .. ولا يمكن للطالب أن يتحمل فشلا لم يكن سببا أو طرفا في تحديد الأهداف واختيار طريقة التدريس ..
ـ رابعا : حيوية المعلم : تعتبر حيوية المعلم داخل القسم هامة وضرورية، فالتلميحات والإيحاءات غير اللفظية أو الشكلية من أهم مقومات هذه الحيوية .
إن التلميحات والإيحاءات لغة تحمل معان معينة، يفهمها المتلقي من خلال سلوك مذموم، أو ممدوح قام به داخل القسم .. إن تقطيب الحاجبين أو رفعهما، رفع الصوت أو خفضه، السكوت للحظة، الإقبال على التلميذ بسرعة أو ببطء كلها إيماءات تعني شيئا ما للتلميذ .
* ـ إنّ التدريس المصغر الذي يجد رواجا كبيرا في موطنه الأول كندا، وكثيرا من الدول المتقدمة، لإمكاناتها الكبيرة وتطورها في مجال التربية والتعليم، قد يمتد إلى أوطاننا التي تعاني الأمرين، التخلف والجهل وقلة الإمكانيات التربوية المتاحة للمعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
● ـ مزايا التدريس المصغر وفوائده .
* ـ التدريس المصغر تدريس تطبيقي حقيقي ، لا يختلف كثيراً عن التدريب على التدريس الكامل ؛ حيث يحتوي على جميع عناصر التدريس المعروفة ؛ كالمعلم ، والطلاب أو من يقوم مقامهم ، والمشرف ، والمهارات التعليمية ، والوسائل المعينة ، والتغذية والتعزيز ، والتقويم .
وإذا كانت بعض المواقف فيه مصنوعة ، فإن فيه من المزايا ما لا يوجد في غيره من أنواع التدريس العادية الكاملة ، كالتغذية الراجعة والتعزيز الفوري والنقد الذاتي وتبادل الأدوار ونحو ذلك .
وللتدريس المصغر فوائد ومزايا عديدة ، لا في التدريب على التدريس وحسب ، بل في ميادين أخرى من ميادين التعلم والتعليم ، كالتدريب على إعداد المواد التعليمية ، وتقويم أداء المعلمين والطلاب ، وإجراء البحوث التطبيقية ، وفيما يلي بيان بأهم مزايا التدريس المصغر وفوائده في برامج تعليم اللغات الأجنبية :
1- حل المشكلات التي تواجه القائمين على برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية ؛ بسبب كثرة المعلمين المتدربين أو نقص المشرفين ، أو عدم توفر فصول دراسية حقيقية لتعليم اللغة الهدف ، أو صعوبة التوفيق بين وقت الدراسة ووقت المتدربين ، أو غياب المادة المطلوب التدرب عليها من برنامج تعليم اللغة الهدف .
2- توفير الوقت والجهد؛ حيث يمكن تدريب المعلمين في التدريس المصغر على عدد كبير من المهارات الضرورية في وقت قصير ، وعدم إهدار الوقت والجهد في التدريب على مهارات قد أتقنها المعلمون من قبل ، كما أن التدريس المصغر يقلل من الحاجة إلى تدريس كل متدرب جميع المهارات ؛ لأن المشاهدة والمناقشة تفيد المشاهد مثلما تفيد المتدرب .
3- تدريب المعلمين على عدد من مهارات التدريس المهمة ، كالدقة في التحضير والتدريس ، وتنظيم الوقت واستغلاله ، واتباع الخطوات المرسومة في خطة التحضير ، واستخدام تقنيات التعليم بطريقة مقننة ومرتبة ، وبخاصة جهاز الفيديو ، بالإضافة إلى استغلال حركات الجسم في التدريس .
4- تدريب المعلمين على إعداد المواد التعليمية وتنظيمها بأنفسهم ؛ لأن التحضير للدرس المصغر غالباً ما يحتاج إلى مادة لغوية جديدة يعدها المتدرب بنفسه ، أو يعدل من المادة التي بين يديه ؛ لتناسب المهارة والوقت المخصص لها .
5- مناقشة المتدرب بعد انتهاء التدريس المصغر مباشرة ، وإمكان تدخل المشرف أثناء أداء المتدرب ، وإعادة التدريس ، وبخاصة في حالة تدريس الزملاء المتدربين .
وتلك أمور يصعب تطبيقها في التدريس الكامل ، وبخاصة في الفصول الحقيقية .
6- اعتماد التدريس المصغر على تحليل مهارات التدريس إلى مهارات جزئية ، مما يساعد على مراعاة الفروق الفردية بين المعلمين ، من خلال تدريبهم على عدد كبير من هذه المهارات التي قد تغفلها برامج التدريب على التدريس الكامل .
7- إتاحة الفرصة للمتدرب لمعرفة جوانب النقص والتفوق لديه في النواحي العلمية والعملية والفنية ، من خلال ما يتلقاه من التغذية والتعزيز من المشرف والزملاء في مرحلة النقد ، مما يتيح له تعديل سلوكه وتطويره قبل دخوله ميدان التدريس حيث لا نقد ولا تغذية ولا تعزيز ، كما أنه يساعد على التقويم الذاتي من خلال مشاهدة المتدرب نفسه على شاشة الفيديو .
8- إتاحة الفرص للمتدربين لتبادل الأدوار بينهم ، والتعرف على مشكلات تعليم اللغة الأجنبية وتعلمها عن قرب، وهي مشكلات المعلم والمتعلم ، وذلك من خلال الجلوس على مقاعد الدراسة ، وتقمص شخصية المتعلم الأجنبي ، والاستماع لمعلم اللغة الأجنبية ، والتفاعل معه، ثم القيام بدور المعلم وهكذا. (هذه الحالة خاصة بالتدريس للزملاء المتدربين .
9- اختبار قدرات المعلمين المتقدمين للعمل في مجال تعليم اللغة للناطقين بغيرها ؛ حيث يستطيع المخْتَبِرُ اختيار المهارة أو المهارات التي يريد اختبار المعلم فيها دون غيرها ، مما يوفر له مزيداً من الوقت والجهد ، كما أن التدريس المصغر مهم لتقويم أداء المعلمين أثناء الخدمة ، واتخاذ القرار المناسب بشأن استمرارهم في العمل أو حاجتهم إلى مزيد من التدريب والتطوير .
10- الاستفادة منه في جمع المادة العلمية في الدراسات اللغوية التطبيقية في مدة أقصر من المدة التي يستغرقها جمع المادة في التدريس الكامل .
فمن خلال التدريس المصغر يستطيع الباحث رصد أثر تدريس مهارة واحدة أو عدد من المهارات على كفاية المتعلم ، كما يستطيع رصد أثر التغذية الراجعة والتعزيز بأنواعه على بناء كفاية المعلم في التدريس ، مع القدرة على ضبط المتغيرات الأخرى .
11- الربط بين النظرية والتطبيق؛ حيث يمكن تطبيق أي نظرية أو مذهب أو طريقة ، تطبيقاً عملياً في حجرة الدرس ، أثناء الشرح أو بعده لمدة قصيرة، إذا دعت الضرورة إلى ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
● ـ أنواع التدريس المصغر .
* ـ يختلف التدريس المصغر باختلاف البرنامج الذي يطبق من خلاله ، والهدف من التدريب ، وطبيعة المهارة أو المهمة المراد التدرب عليها ، ومستوى المتدربين ، ويمكن حصر هذه التقسيمات في الأنواع التالية : 1- التدريب المبكر (على التدريس المصغر)
2- التدريب أثناء الخدمة (على التدريس المصغر)
3- التدريس المصغر المستمر
4- التدريس المصغر الختامي
5- التدريس المصغر الموجه
6- التدريس المصغر الحر (غير الموجه)
7- التدريس المصغر العام
8- التدريس المصغر الخاص
|
المراجع
• عايش زيتون ، أساليب التدريس الجامعى عمان : دار الشروق ، 1995
• مادان موهان ، رونالدا . هل ( محرر ) ، تفريد التعليم والتعلم فى النظرية والتطبيق ترجمة ابراهيم محمد الشافعى ، الكويت ، مكتبة الفلاح ،1997
• كمال يوسف اسكندر ومحمد ذبيان غزاوى : مقدمة فى تكنولوجيا التعليم ، ط 1 ، الكويت –دار الفلاح ،1995
• محمد اساعيل عبد المقصود : تدريس الدراسات الاجتماعية ، تخطيطه ، وتنفيذه وتقويم عائده التعليمى ، الامارات العربية المتحده ، مكتبة الفلاح ،2001
• مجموعة مؤلفين: التدريس الفعال، مشروع تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات، المجلس الأعلى للجامعات ، القاهرة ،2005.
- موقع مهارات النجاح http://sst5.com/TrainingWayDet.aspx?TR=2
- مونة اسراء حسين http://esraa-2009.ahlamountada.com/t615-topic